Jumat, 14 November 2008

نحن قادرون

"انك لا تفهمني" حوار الاجيال: هل هو ظاهرة اجتماعية ام ضرورة تاريخية؟
د. أسامة حميد حسن*
خاص - تربية نت

هذا التأمل البسيط يعكس ظاهرة معقدة مر بها الإنسان منذ القدم هي الاختلاف بين الاجيال فكل جيل يكافح لأجل ان يكوّن اسلوبه الخاص به وقد لا نجد- الا القليل - من يتفق مع الجيل الذي سبقه ويكون راضيا عن الجيل الذي سياتي بعده. وقد انتبه علماء الاجتماع الى مثل هذه الظاهرة واطلقوا عليها الفجوة بين الاجيال. وتعني الفجوة بين الاجيال بعدا انفعاليا بين الوالدين والطفل. ان هذه الفجوة يمكن ان نوضحها ايضا من خلال ملاحظة الفروق في الافكار والمعتقدات بين الفترات الزمنية المختلفة فأي شخص قد دخل الى الكلية يمكن ان يعرف الفرق بين طلاب السنة الاولى والسنة الاخيرة.

ان مفهوم الفجوة بين الاجيال يكاد يكون على الضد من مفهوم التفاهم الذي يعني ان يستمع اليك الآخرون وتسمع لهم،وتكون الاستجابة التقليدية بين المتفاهمين هي الكلام وكلما كان الكلام اكبر كانت فرص فهم الاخر اعظم. وهنا لابد ان نتساءل عن الحوار بين الاجيال هل هو من الكفاية ما يتيح لهم الوصول الى التــفاهم ؟ وهل الوالدان يقضون من اوقاتهم ما يكفي لكي يقيموا اوليات لهذا التفاهم؟. وهل اساليبهم من الحكمة ما يجعلها قادرة على احتواء الابناء ؟فلماذا يطلب الوالدان في احيان عدة من الاطفال او المراهقون او يتوقعوا منهم ان يكونوا اكبر من اعمارهم؟ ويبالغوا في احيان اخرى فيتوقعون منهم ان يكونوا اكبر حتى من الكبار !

ان هذه الاسئلة لا تضع اللوم كله على الوالدين. وتحملهم لوحدهم اسباب هذه الظاهرة. ان من الامور الطبيعة للعلاقة بين الوالدين والابناء انها تمر في فترات سلام وفترات أزمات فمن الملاحظ عند ولادة الطفل يكون مقدار التفاهم قليلا بينه وبين والديه وذو اتجاه واحد من الوالدين نحو الطفل ويكون الوالدان سعيدين في اشباع رغبات الطفل. وعند تقدم عمر الطفل وتعلمه مصطلحات ولغة الكبار تقل الفجوة بين الوالدين والاطفال ويكون التفاهم بينهم باتجاهين من الوالدين نحو الطفل ومن الطفل نحو الوالدين فالأطفال يثقون بوالديهم ويحترمونهم ويطيعونهم عن اقتناع في اغلب الاحيان والوالدان سعداء بأبنائهم وبطاعتهم ويمكن ان نقول ان هذه الفترة هي الفترة الذهبية التي تمر بها العلاقة بين الوالدين والاطفال وهي مرحلة الطفولة المتأخرة ولكن في مرحلة المراهقة تعود لتظهر حالة عدم التفاهم بين الوالدين والمراهق وعدم التفاهم هذا يكون ايضا في اتجاهين فلا المراهق يقبل بأسلوب ومعاملة الوالدين له ويتذمر من طريقتهم ويرغب في التخلص من سلطتهم ولا الوالدين يتقبلون المراهق الذي يريد ان يشق طريقة بدون وصايا ونصائح ويحسون ان زمام الامور قد افلت من ايديهم وهم في امس الحاجة لكي يسيطروا على هذا الكائن الجامح كما يعتقدون. وهنا لابد ان نشير ان عدم التفاهم الذي كان قائما في مرحلة الطفولة المبكرة كان بسبب حالة عدم اكتمال النضج العقلي واللغوي والاجتماعي عند الطفل،اما ما يحصل في مرحلة فان سبب حالة عدم التفاهم (وهو من المفارقات) هو اكتمال النضج العقلي والانفتاح على الآخرين.

ولهذا يمكن القول ان هذه الخلافات تحدث بسبب زيادة الخبرات والمعارف والمهارات الاجتماعية وهذا يجعل المراهق يكون اتجاهات واراء حول دور الاسرة ونمط الحياة والمجتمع والدين مما يجعل المراهق ينظر الى العالم بشكل مثالي جدا الامر الذي يؤدي في بعض الاحيان الى تكوين اتجاهات خاطئة.

وعندما يكوّن المراهقون انماطا خاصة بهم مختلفة عن عالم الكبار بالاستناد الى المثالية في النظرة الى العالم، يحصل تباينا بين نظرتهم الى العالم ونظرة الكبار له فيؤدي هذا الى نشوء صراع ومشكلات عدة وعدم التفاهم بين جيل الوالدين وجيل الابناء،ويبدأ المراهق يتصرف وكأنه يرفض قيم والديه ويصف ووالديه بأنهم غير مستقرين في طريقة التعامل معه ويعتبرهم غير كفوئين وهم من جيل مضى،الامر الذي يؤدي في النهاية الى ثورة المراهق وعصيانه.

ان من اهم ما يؤدي بالمراهق الى الاحباط والعدوان ويدعوه الى الثورة والعصيان هو محاولة تقيد حريته،وتبرز معالم تقيد حرية المراهق في موضوع عودته الى المنزل وفي انفاق المال والتحكم بعلاقته مع اقرانه.

ان من الخطأ ان ننظر الى الفجوة بين الاجيال من وجهة نظر نضج المراهق فحسب بل توجد عوامل اخرى من ضمنها سرعة التغير الحاصل في المجتمعات وفي مجال التطور العلمي الذي ينعكس بآثاره ليشمل الحياة الاجتماعية.

ان الاختلاف بين الاجيال اوكما يطلق عليه الفجوة بين الاجيال هو عملية حتمية وضرورية للنمو الإنساني اذ تسهم هذه الاختلافات في تحقيق الذات والاستقلال،كما انها مهمة للمجتمعات ايضا اذ ان هذه الفجوة تسهم في اندثار الاساليب القديمة في الحياة التي اثبتت عدم جدواها في التعامل مع معطيات الحياة الجديدة. ولذا فهي ظاهرة اجتماعية يفرضها التغير السريع للمجتمع.

_______________________

* متخصص في علم نفس الطفولة والمراهقة

الكلية التربوية المفتوحة - بغداد


Tidak ada komentar: